والحدود التي تفرضها الدولة على الناخبين قبل أن يُؤخذ رأي الشعب، وقبل أن يدخل الشعب في عملية الانتخابات ؟ إلاّ أن نفسّر لك ذلك بــ «المصلحة الاجتماعية» و «ضرورات الحياة الاجتماعية» وهو معقول، ولكنّه ينسف «العقد الاجتماعي» من الأساس، ويبقى السؤال عن شرعية سيادة الدولة ـ كما ذكرنا ـ بلا جواب في النظرية الديمقراطية، كما يبقى السؤال عن التوجيه الشرعي لهذه الطاعة والولاية التي تقتضيهما المصلحة، كما قلنا سابقاً، ذلك أنّ الحاجة والمصلحة شيء، والشرعية شيء آخر. والنتيجة التي نريد أن نصل اليها هي: أنّ الطاعة والسيادة ضروريتان في حياة الإنسان، ولا تستقيم حياة الإنسان من دونهما. ورغم الجهود العلمية الكبيرة التي قام بها العلماء في الفلسفة السياسية إلى اليوم لم يتمكّنوا من تقديم نظرية تسلم عن المؤاخذات العلمية عن الأساس العلمي لشرعية الطاعة. ولا نقصد بالمؤاخذة: المؤاخذات العلمية التي لا تسلم منها نظرية علمية، وإنّما نقصد بالمؤاخذات الواضحة التي لا تثبت معها النظرية. والآن نتحدّث عن الأساس الذي جعله القرآن مبنىً وقاعدةً للطاعة، وهو «الميثاق». مبنى الميثاق وأساس هذا المبنى قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)[353].