وتقييدها، بما لا يضرّ مصلحة البلد والأجيال الأُخرى. وقد انتبهت الدولة الحديثة إلى هذا الأمر، فطرحت مجموعة من الضوابط التي تحفظ الأجيال القادمة مصالحها. منها: تحديد سنّ الناخبين، ومنها: إعطاء حقّ الاعتراض، وتعليق قرارات الهيئة التشريعية للهيئة التنفيذية، ومنها: وضع مجلس آخر إلى جانب مجلس ممثّلي الشعب باسم مجلس الشيوخ، لا ينتخبه الشعب مباشرةً، لضبط قرارات الهيئة التشريعية..، وغير ذلك من القوانين التي تحدّد صلاحية وسلطان الجيل المعاصر وممثّليه من النوّاب. وهذه المسائل جميعاً تشكّل علامات استفهام كبيرة، وعقبات أمام نظرية «العقد الاجتماعي». فإذا قامت الدولة على رأي ورضا الجيل الحاضر كما يطرحه روسو، وهو غير منتبه إلى هذه المضاعفات والتبعات التي تتراءى للدولة الحديثة عند التطبيق، فإنّها سوف تحرم الأجيال الأُخرى من كثير من حقوقها، وتكلّفهم بما لم يوافقوا عليه، وتتصرّف في شؤونهم وحقوقهم من دون رضاهم، وهو نقض صريح، وخروج واضح على نظرية «العقد الاجتماعي». وإذا قامت الدولة بناءً على التطوّرات الحديثة التي أُدخلت على الديمقراطية الحديثة بحكم الضرورة، فإنّ المواطن يدخل عملية العقد الاجتماعي بموجب قوانين وضوابط وحدود لم يُؤخذ رأيه فيها، وهذه القوانين والضوابط تستتبع وجود سيادة للدولة والقانون، تحدّده وتقيّده قبل أن يدخل في «العقد الاجتماعي»، ومن دون أن يؤخذ نظره ورأيه في ذلك. فمن أين جاءت الشرعية لهذه السيادة والقانون الذي يفرض على المواطن قيوداً وحدوداً لم يُؤخذ رأيه فيها ؟ وإذا كانت شرعية الدولة من رضا الشعب، فكيف نفسّر شرعية هذه الضوابط