وهذا جواب أضعف من أصل النظرية. فما الذي يلزم المواطن بالخيار بين مغادرة الإقليم والطاعة للدولة ؟ وإذا آمنّا بعدم سيادة إنسان على آخر ـ وهو صحيح، من منظورنا أيضاً ـ فكيف يجوز للدولة إرغام المواطن على الهجرة أو الطاعة ؟ وهل تزيد الأنظمة الدكتاتورية على ذلك شيئاً إلاّ في سعة وضيق دائرة هذا الإرغام ؟ فإنّ هذه الأنظمة أيضاً لا تزيد على إرغام المواطن على الخروج عن الوطن، أو البقاء وطاعة النظام رضي أم لم يرض، واتّساع رقعة هذا الإرغام في الأنظمة الدكتاتورية، وضيق هذه الدائرة في النظام الديمقراطي، لا يغيّر من الحقيقة شيئاً. وحتّى اللجوء إلى قانون تحكيم الأكثرية في مثل هذا الحال لا ينفع في حلّ هذه المشكلة، فإنّ هؤلاء المتخلّفين عن العقد لم يدخلوا العقد من الأول لنلزمهم بما التزموا به من قبول رأي الأكثرية. وعقبة أُخرى تواجهها الديمقراطية في امتداد هذه المشكلة، وهي أنّ الدولة لا تتعلّق فقط بهذا الجيل المشارك في الانتخاب، بل تتصرّف في شؤون الأجيال الأُخرى أيضاً، من الذين يدركون سنّ الرشد والدولة قائمة أو من الأجيال التي تأتي فيما بعد. فإنّ الدولة تتصرّف في الثروات الطبيعية المدّخرة في الإقليم بكيفية وأُخرى، وهذه الثروات ليست من حقّ هذا الجيل فقط، ولا يجوز للدولة أن تفرّط بمصالح الأجيال القادمة لمصلحة الجيل المعاصر المشارك في العقد. وقد تأخذ الدولة قراراً بالحرب، وتكلّف الأجيال المقبلة تكاليف هذه الحرب، وقد تقترض الدولة لشؤونها الاستهلاكية قروضاً، وتكلّف الأجيال المقبلة تسديد هذه القروض... وما إلى ذلك وهي كثيرة. فلا بدّ من ضوابط على رأي ممثّلي الشعب لتحديد هذه الآراء وضبطها