التحاق القاصرين الذين كانوا في وقت الانتخابات قُصَّراً لا يحقّ لهم، ولا يستطيعون المشاركة في هذا العقد الاجتماعي، ثم يبلغون سنّ الرشد القانوني بعد قيام الدولة، فيواجهون أمراً واقعاً، ونظاماً قائماً، لم يُؤخذ رأيهم فيه إطلاقاً، ويضطرّون لاتّباع هذا الأمر الواقع من دون أن يكون قد سبق لهم رضا أو رأي في هذه الدولة. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، وليست افتراضاً. والفئة التي تشكّل هذه المجموعة تغطّي مساحةً واسعةً من كلّ مجتمع، فما الذي تصنعه الديمقراطية بهؤلاء إلاّ أن تلزمهم بطاعة الدولة بغضّ النظر عن رضاهم، وأن تسقط رضاهم وموافقتهم من الحساب، وتجعلهم أمام الأمر الواقع، وتلزمهم بالأمر الواقع. ومرّة أخرى نقول: إنّنا لا نناقش في أنّ هذه الحالة ضرورة، وأنّ الديمقراطية تلجأ إلى هذا الحلّ عن اضطرار، ولكنّا نتساءل: ماذا يبقى من نظرية «العقد الاجتماعي» بعد هذه الضرورات ؟ وكيف يمكن اعتماد نظرية «العقد الاجتماعي» والرضا بالدولة بعد هذه الضرورات الواسعة والكثيرة التي تلجأ فيها الديمقراطية إلى إسقاط رضا شطر كبير من المجتمع من الحساب ؟ ولعلّ «روسو» انتبه إلى هذه العقبات التي تواجه نظرية العقد في كتابه «العقد الاجتماعي» فحاول أن يجتاز هذه العقبات، ولكنّه لم يصنع شيئاً. يقول روسو: «إذا كان قد وجد حين العقد الاجتماعي معارضون، فإنّ معارضتهم لا تبطل العقد، إنّها تحول فحسب دون أن يدخلوا فيه، فهم أغراب (غرباء) بين المواطنين، وعند ما تكون الدولة قد أُسِّست فإنّ الإقامة فيها علامة الرضا، إذ تصبح سكن الإقليم خضوعاً للسيادة»[352].