الولاية والحكم، وتداخلات لا يمكن فكّها، ولا يستقرّ معه نظام وحكم وسيادة في المجتمع. وكيف يمكن أن يستقرّ نظام وحكم في مجتمع على أرض الواقع، وليس على صعيد التنظير، يحكمه مجموعة من ولاة الأمر، ينفذ في المجتمع حكم كلٍّ منهم، وينهض كلٌّ منهم بإدارة المجتمع وحكمه، على ما هم فيه من اختلاف في الرأي والموقف. والحلول التي يذكرها العلماء لعلاج التزاحم لا تستطيع أن تحلّ أزمة التزاحم في الحكم، ولا تنسجم مع نظام إلهي يريد أن يحكم الناس. وعليه فنحن نعتقد أنّ هذه الأدلّة منصرفة عن ظاهرها ـ لو كان ظاهرها هو فعلية الحكم ـ إلى معنى شأنية الولاية والحكم، لتنسجم هذه الأدلّة مع روح الإسلام وسائر تشريعاته التي تصبّ في بناء مجتمع إسلامي واحد، وتنسجم مع طريقة الناس في تقرير مثل هذه الأُمور. الاتّجاه الثاني: وهو ما نتبنّاه، هو اعتبار أدلّة ولاية الفقيه دالّة على اعتبار الفقاهة شرطاً للأهلية والشأنية، وليس لوحدها سبباً لفعلية الولاية. ورغم أنّ هذا الاتّجاه اتّجاه غير معروف فقهياً، إلاّ أنّني أرى أنّه الاتّجاه الأسلم في فهم هذه الأدلّة. إلاّ أنّ هذا الفهم لأدلّة ولاية الفقيه يضعنا أمام مشكلة جديدة من نوع آخر، وهي «فعلية الولاية»، ونجد أمامنا في هذا الاتّجاه سؤالاً يطلب الإجابة الدقيقة، وهو: بماذا ـ إذن ـ تتحقّق فعلية الولاية لوليّ الأمر ؟ وهذا سؤال يحتاج إلى علاج فقهي دقيق، وقد قدّمنا تصوّراً فقهياً لحلّ هذه المشكلة في فصل «البيعة» من هذا الكتاب، فلا نعيد.