وبناءً على هذا الرأي يكون كلّ فقيه من فقهاء المسلمين حاكماً فعلياً على المسلمين، وله أن يأمر وينهى، ويقضي، ويأمر بجباية الأموال، ويتولّى شؤون القُصَّر والأوقاف، ويُجري الحدود الشرعية بصورة شرعية. وهذا التفسير يؤدّي إلى مشكلة حقيقية، وهي مشكلة «التزاحم» بين مجموعة من الولايات المتزاحمة في عرض واحد، في مجتمع واحد، وحكم كلّ واحد منهم نافذ على الكلّ. ولابدّ في حلّ هذا التزاحم من إِعمال قواعد التزاحم من الأولية والأولوية، وهو حلٌّ يسيرٌ في مقام التنظير، وعسيرٌ في مقام التنفيذ والعمل. وَنحن نعتقد أنّ أدلّة ولاية الفقيه لا يمكن أَن تكون ناظرة إلى فعلية «الولاية» لكلّ من يحمل عنوان «الفقيه» ; لسببين: سبب في طريقة التشريع، وسبب في أصل التشريع. أمّا في طريقة التشريع: فإنّ طريقة الشارع في تشريع مثل هذه المسائل الاجتماعية هي الطريقة العقلانية المألوفة، والطريقة العقلائية هي اعتبار الفقاهة شرطاً لأهلية ولاية الأمر، يمنح الفقيه أهلية ولاية الأمر، دون أن تكون الفقاهة سبباً لفعليّة ولاية الفقيه. ونحن نكتشف هذه القضية من طريقة الشارع في التشريع على نحو الإنّ، فليس من المألوف لدى الناس في الأنظمة في العالم أن يكون خبراء النفط وزراء للنفط، والأطباء وزراء للصحّة، وإنّما المألوف والمعقول أن يكون وزير النفط خبيراً في النفط، وأن يكون وزير الاقتصاد والتجارة خبيراً في الاقتصاد وفي التجارة. وعلى هذا الأساس نستطيع أن نفهم أنّ أدلّة ولاية الفقيه لا تدلّ على أكثر من اعتبار الفقاهة شرطاً يؤهل الفقيه للولاية، وليس سبباً لفعلية الولاية. وبتعبير آخر: وليّ الأمر لابدّ أن يكون فقيهاً، وليس العكس. وأمّا في أصل التشريع: فإنّ مثل هذا التشريع يؤدّي إلى تزاحم عجيب في أمر