ومآل هذا الكلام إلى تجريد حاكمية الله تعالى عن صفة الممارسة الواقعية والعينية في المجتمع الإسلامي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو اتّجاه غريب ومتطرّف جداً في اتّجاه معاكس للاتّجاه الثاني، ويؤدّي بهم هذا التطرّف في الرأي إلى نفي ضرورة الحكومة الإسلامية فيما بين المسلمين، وهو لازم يقرّون به ويعترفون به[335]. ب) نظرية الاختيار أمّا أصحاب نظرية الاختيار فإنّهم يقرّون انعقاد الإمامة باختيار أهل الحلّ والعقد من المسلمين، واكتفوا بهذا الاختيار عن إذن الله تعالى لهم، واعتبروا هذا الاختيار كاشفاً عن إذن الله تعالى، وجعلوا اختيار الناس للإمام مصدراً لشرعية الولاية والإمامة. ثم اختلفوا في عدد من تنعقد بهم الخلافة من أهل الحلّ والعقد، فاكتفى بعضهم ببيعة خمس أشخاص، وتنزّل بعضهم إلى ثلاثة، واكتفى بعضهم ببيعة شخص واحد في انعقاد الإمامة ! هذا وذهب آخرون من هذه المدرسة إلى انعقاد الإمامة بالقهر والغلبة، ومن دون حاجة إلى اختيار أهل الحلّ والعقد. يقول المارودي في الأحكام السلطانية: «والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما: باختيار أهل العقد والحلّ، والثاني: بعهد الإمام من قبل. فأمّا انعقادها باختيار أهل الحلّ والعقد، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتّى، فقالت طائفة: لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل الحلّ والعقد من كلّ بلد، ليكون الرضا به عامّاً، والتسليم لإمامته إجماعاً. وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر (رضي الله عنه) على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر قدوم غائب عنها.