يقول ابن أبي الحديد: «إنّهم كانوا في بدء أمرهم يقولون ذلك، ويذهبون إلى أنّه لا حاجة إلى الإمام، ثم رجعوا عن ذلك القول»[332]. وكان شعار الخوارج المعروف بعد قضية التحكيم في صفّين «لا حكم إلاّ لله»، وكان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الردّ عليهم: «كلمة حقّ يراد بها باطل، نعم إنّه لا حكم إلاّ لله، ولكنّ هؤلاء يقولون: لا إمرة إلاّ لله، وإنّه لابدّ للناس من أمير برٍّ أو فاجر، يَعملُ في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيها الأَجل، ويُجمَعُ بهِ الفيءُ، ويقاتلُ به العدوّ، وتأمن به السُبُل، ويؤخذ به للضعيف من القويّ، حتّى يستريح بَرٌّ ويُستراح من فاجر»[333]. ودخل أحدهم على علي (عليه السلام) بالمسجد والناس حوله، فصاح: لا حكم إلاّ لله ولو كره المشركون. فتلفّت الناس، فنادى: لا حكم إلاّ لله ولو كره المتلفّتون. فرفع علي (عليه السلام) رأسه إليه، فقال: «لا حكم إلاّ لله ولو كره أبو الحسن». فقال (عليه السلام): «إنّ أبا الحسن لا يكره أن يكون الحكم لله». ثم قال: «حكم الله انتظر فيكم». فقال له الناس: هلاّ مِلْتَ يا أمير المؤمنين على هؤلاء فأفنيتهم. فقال (عليه السلام): «إنّهم لا يفنون، إنّهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة»[334]. وهذه النظرية نظرية متطرّفة، تنفي الإذن من الله تعالى لأحد من الناس بالحكم والولاية، وتعتبر القائمين بالحكم في صفوف المسلمين، قد تصدّوا للحكم من دون إذن الله، وتنفي الشرعية عنهم جميعاً.