وهذه حقيقة بالغة الأهمية في هذا الدين، وعليها تقوم «نظرية النصّ» التي يتبنّاها الشيعة الإمامية في أمر الإمامة والولاية، في مقابل نظرية الاختيار التي يتبنّاها أهل السنّة في مسألة الإمامة. فلابدّ من أن تثبت الولاية والإمامة العامّة بحكم صريح من الله تعالى في الكتاب أو السنّة. ولا تصحّ ولاية، ولا تكون شرعية، من دون إذن الله تعالى وأمره. ولا يصحّ الاستناد إلى إذن الله وأمره إلاّ بأمر بيّن وواضح، يقول تعالى: (آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ). ونحن هنا نقف أمام خيارات ثلاثة لا رابع لها: الخيار الأول: هو الخيار الديمقراطي، واعتبار الناس أصحاب الحقّ في كلّ قرار يخصّهم، حقّاً ذاتياً لا علاقة له بتفويض أو تشريع من جانب الله، كما يقول أصحاب المذهب الديمقراطي. وعليه يصحّ للناس اختيار الهيئة الحاكمة التي تحكم، وتمثّل من ينوب عنهم في التقنين والتشريع، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية في العالم. الخيار الثاني: نفي هذا الحقّ الطبيعي عن الإنسان، واعتبار الإنسان عبداً مملوكاً إلى الله، لا يملك من أمر نفسه شيئاً، ولكنّ الله تعالى قد فوّض الناس أمر اختيار الحاكم بالإجماع أو الأكثرية عن طريق البيعة. الخيار الثالث: نفي نظرية «العقد الاجتماعي» وهو المبنى الفلسفي للديمقراطية الحديثة، ونفي نظرية التفويض الإلهي للإنسان، واللجوء إلى نظرية النصّ في تعيين الإمام ووليّ الأمر، سواءً يكون النصّ خاصّاً يخصّ شخصاً بعينه كما ورد في نصّ الغدير، أم يكون النصّ عامّاً في أدلّة ولاية الفقيه في عصر الغيبة فيمن ينوب عن الإمام المهدي عجّل الله فرجه في ولاية الأمر وإمامة الأمة. وليس من رأي رابع فيما نعلم.