يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)[244]، و (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)[245]، و (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ)[246]، و (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)[247]. ومعنى ذلك أنّ هذا الدين لعامّة البشريّة، وليس ديناً قوميّاً أو إقليميّاً، هذا أوّلاً. وثانياً: الوحدة السياسية للاُمة، وإزالة الحواجز القوميّة والإقليميّة التي تفرّق هذه الاُمّة. وقد تلونا عليكم آيتي الأنبياء والمؤمنون من قبل، وهما صريحتان واضحتان في الوحدة السياسية للاُمّة. ولا نتصوّر معنىً لوحدة الاُمّة غير الوحدة السياسية. فإنّ وحدة العقيدة مفروضة في الاُمّة، ومن دونها لا تكون الاُمة اُمّة. فلابدّ أن تكون الوحدة في شيء آخر غير العقيدة ; وإلاّ فلا تكون هي اُمّتنا والقرآن يقول: (وإنّ هذه اُمّتكم) ! ولا معنى للوحدة إذا لم تكن في العقيدة، إلاّ أن تكون في البنية السياسيّة للاُمّة، فيكون معنى وحدة الاُمّة هي وحدتها في الكيان السياسي، ووحدة الكيان السياسي بوحدة الولاية والسيادة لا محالة. والمقياس الذي وضعه الله تعالى للتقييم في هذه الاُمّة هو (التقوى)، وما اختلاف الناس في الأقوام والعشائر والأقاليم إلاّ للتعارف والتلاقح فيما بينهم، وليس للافتراق والتباعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[248].