الجدل ; بمعنى أنّ الكلام ظاهر في أنّ المتكلّم ملتزم بما يقول ومؤمن به، وليس الكلام صادراً جدلاً لإلزام الطرف الآخر بما يلتزم به، ولا فحامة به. وبهذا الظاهر يعمل الناس في تفاهمهم، ويحتجّون به، ويلغون احتمال خلافه. وقد أخذ الشارع بهذا الظاهر، واعتبره حجّة، وألغى خلافه ; وذلك بإمضاء سيرة العقلاء في الأخذ بالظاهر وإلغاء خلافه. وانطلاقاً من هذه المقدّمة نقول: إنّنا لا نستطيع أن نحكم بدلالة النقطة الاُولى من خطاب الإمام (عليه السلام) على الإرادة الجدّية له (عليه السلام) في هذا المعنى بلا ريب ; وذلك لوجود قرينة قطعية صارفة للكلام عن هذه الدلالة التصديقية، وهي ما ثبت لدينا بصورة قطعية أنّ إمامته على المسلمين كانت ثابتة بالنصّ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير وليست ببيعة المسلمين له، وإنّما خاطب الناس بذلك يومئذ من باب الجدل، لإلزام الناس بماكانوا يلتزمون به يومئذ من إمامة الإمام (عليه السلام) بالبيعة، ووجوب طاعته بها. وليس كذلك أمر النقطة الثانية من خطاب الإمام (عليه السلام) للناس ; ففي النقطة الثانية يقول لهم الإمام (عليه السلام): إنّ البيعة إذا تمّت لأحد وصحّت من قِبل جمع من المسلمين (يُعبأ بهم) ألزمت المسلمين كافة ; مَن حضر منهم البيعة ومن لم يحضر. وهذا هو معنى كلام الإمام في النقطة الثانية، وهو حجّة في الدلالة على الإرادة الجدّية للإمام (عليه السلام) في حكم البيعة، وليست هنالك من قرينة صارفة للكلام عن هذه الدلالة، كما كان الشأن كذلك في النقطة الاُولى. والاحتمال وحده لا يكفي لصرف الكلام عن ظاهره، ولا عن الدلالة عن الإرادة الجدّية للمتكلّم ; وإلاّ لم يبقَ لنا من الكتاب والسنّة ما يمكن أن يحتجّ به غير أقلّ القليل. وشأن ذلك شأن (التقيّة) ; فليس كلّما احتملنا أن يكون الكلام صادراً عن التقيّة