وتلك المقدّمة: أنّ طريقة العقلاء في التفاهم فيما بينهم قائمة على حجّية الظواهر، فإذا كان للكلام ظاهر أخذ به الناس واحتجّوا به له وعليه، وكان حجّة فيما بين الناس في التفاهم ولو لم يكن الكلام نصّاً قطعياً في المراد. وقد أخذ الشارع بهذا الأصل العقلائي وأمضاه، ودليل إمضائه أنّه لم يبلغنا عن الشارع إلغاؤه له، أو جريه على أساس آخر في التعامل مع ظاهر الكلام. وهذا وحده يكفي في حجيّة الظاهر، وفضلاً على ذلك: أنّ المشرّع قد تعامل مع ظاهر الكلام في مواقع كثيرة معاملة الحجّة. وهذا أصل هامّ في الاجتهاد. ولو لا حجّية الظاهر لم يمكن التمسّك بظواهر الكتاب والسنّة، ولتعطَّل الاجتهاد، إلاّ أن تأتي قرينة واضحة تصرف الكلام عن ظاهره. ومن مصاديق هذه القاعدة: أنّ الكلام حجّة في الإرادة الجدّية للمتكلّم ; بمعنى أنّ الكلام يدلّ على أنّ المتكلّم جادّ فيما يقول وليس بهازل. وهذه هي إحدى الدلالتين التصديقيتين للكلام، في مقابل الدلالة التصورية الحاصلة قهراً من الكلام. وقد أقرّ الشارع هذه الدلالة قطعاً، إلاّ أن تكون هناك قرينة واضحة دالّة على صرف الكلام عن الدلالة على الإرادة الجدّية للمتكلّم. ومن هذا القبيل دلالة الكلام على أنّ المتكلّم يقصد بالكلام الحكم الواقعي وليس التقية، إلاّ أن تكون هناك قرينة صارفة للكلام عن الدلالة على إرادة المتكلّم للحكم الواقعي ; وإلاّ أمكن التشكيك في دلالة كلّ حكم وارد في الروايات على إرادة المتكلّم للأحكام الواقعية، واحتمال إرادة التقية بها. ومن الطبيعي أنّ احتمال الخلاف يُسقط الدليل على الدلالة، وليس هناك من صارف لهذا الاحتمال إلاّ حجّية الظاهر، والظاهر من الكلام هو إرادة الحكم الواقعي. ومن هذا القبيل دلالة الكلام على أنّ المتكلّم يريد بالكلام الحقيقة وليس