اعتمد اُسلوب العقلاء في عصر الغيبة في نصب الحاكم، فلا يمكن أن يهمل الشارع مسألة خطرة في حياة المسلمين من قبيل مسألة الولاية والحكم، ولا يمكن أن يهمل الشارع تبيان الطريقة التي يتمّ بها تعيين الحاكم والولي. إذن، لابد أن يكون الشارع قد أوكل أمر الاختيار إلى الناس أنفسهم في هذا العصر ضمن الشروط والمواصفات التي بيّنها الشارع لهم، واختيار الناس للحاكم هو معنى (البيعة) الذي نتحدّث عنه في هذه الدراسة. النقطة الثالثة إذن (البيعة) تنشئ الولاية الشرعية للحاكم، والولاية تتطلّب الطاعة من الرعايا، فلا تكون البيعة تأكيداً وتوثيقاً للولاية الثابتة للحاكم، وللطاعة الواجبة على الرعية، في موارد النصّ العام، كما كان كذلك في موارد النصّ الخاص، وإنّما تكون البيعة شرطاً ومقدمة لانعقاد الإمامة للحاكم، ومن دون البيعة لا تنعقد الإمامة لأحد، ولا تجب الطاعة لأحد على أحد. وتكون علاقة البيعة بالطاعة والإمامة عندئذ من قبيل علاقة مقدمات الوجوب بالوجوب، كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج، ودخول الوقت بالنسبة إلى الواجبات المؤقّتة، فلا تنعقد الإمامة ولا تجب الطاعة من دونها. غير أنّ هذه المقدمة (وهي البيعة) بحدّ ذاتها تكون واجبة وجوباً غيرياً مقدمة لوجوب نصب الإمام (وإقامة الدولة الإسلامية)، فتكون البيعة واجبة لوجوب ذيها، وتجب الطاعة بالبيعة. فيكون تسلسل العلاقة بين (البيعة) و ( نصب الإمام) و (الطاعة) بالشكل التالي: البيعة: مقدمة وجودية (لنصب الإمام)، ومقدمة وجوبية لـ (طاعة الإمام)، فإنّ (نصب الإمام) واجب قطعاً، ووجوبه يقتضي وجوب (البيعة) من باب المقدمة، فتجب البيعة وجوباً غيرياً مقدمة لنصب الإمام. و (النصب) من شروط (وجوب