لحياة إنسان أو لموت إنسان ... إذن لقيل: قد انتحب على فاطمة النيِّران، وبكى المشرقان والمغربان! لكنّه قدر مقدور ... قضاء محتوم يتساوى فيه الخلائق، من شَرُفَ كمن هان. وها هي ذي الزهراء تتجرّع نفس الكأس، تنطلق إلى حيث لا مآب[1624]، ترتفع عن دنيا الناس، تحلّق بعيداً عن قلى القالين، وعدو العادين، تتسامى أيضاً فوق حبّ المحبّين ووفاء الأولياء. وما لها الآن وهذه المشاعر الدنيوية التي تتعاور النفوس؟ فلم تعد الآن من أبناء الطين والحمأ المسنون، كما خرج جسدها من التراب، عاد كسيرته الأُولى إلى التراب. ترحّلت كياناً من الصفاء في الخلود، مضت راضية مرضية إلى الحياة الأبدية بذلك العالم النوراني الجديد. وعندما غفا الكون، ونصب الليل خيامه، وتناثرت في الأُفق بضع من الأنجم السواهر شاحبات الشعاع، ولبست الدنيا ثياب الحداد ... كان ثمّة ـ بناحية من البقيع ـ نُفَيْر قليل من الصحب والآل يشيّعون الزهراء. فلمّا سُوي اللحد على الجسد، واحترقت الأهداب والجفون، وشاطت الأنفاس، ودقّت القلوب لحنها الجنازي ... تقدّم علي يلصق وجهه بالقبر الطاهر، ويشمّ ثراه، وينعي إلى النبي بضعته، ويردّ له بقيّة نبوّته، وهو يودّع رفيقة حياته، وكيانه كلّه قد هدّته الأحزان. وبصوت هامس، كلماته أنين، ونبراته حسرات، قال: «السلام عليك يا رسول الله، عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك ... قلَّ يا رسول الله عن مصيبتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي ... إلاَّ أنّ لي في التأسّي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك موضع تعزٍّ ... ولقد وسدتك في