من وقوعها في بؤرة الإحساس بقهر المقهور ... من تنكّر الوليّ الغريم ... من الظلم الذي طاردتها به الأيام ... من مجازاتها بجزاء سِنَمَّار[1622]. وكان لابدّ ـ وهذه هي الحال ـ أن تعاف الناس، ودنيا الناس، فتضيق بالعيش، وتكره الحياة، وتتطلّع روحها ملهوفةً إلى النزوح. ولقد أجملت هي خلاصة مشاعرها تلك في كلمات: قيل: لمّا اشتدّ بفاطمة الوجع، وثقلت في علّتها، اجتمع عندها نساء من المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت من علّتك، يا بنت رسول الله؟ قالت وقولها له على شفتيها مثل طعم الصبّار: «أصبحت والله عائفة لدنياكنّ، قالية لرجالكنّ ... لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم ... فقبحاً لغلول الحدّ، وخطل الآراء، وزلل الأهواء! ولبئسما قدّمت لهم أنفسهم! ...». وذاك كلام ممرور، لا تغسل المرارة عن قلبه أن يمضمض فاه بما في الأرض جميعاً من أمواه! هكذا غدت الزهراء، قَلَت البشر، ومقتت الأشياء، ولم تعد بها رغبة في أن تمتدّ حياتها بعد يومها الحاضر يوماً آخر. كلّ قواها النفسية والمعنوية كانت تعمل ـ لا إرادياً ـ على أن تقطع، من مرحلة عمرها هذه الأخيرة، في ساعات معدودات، ما قد يقطع غيرها من عمره في سنوات وسنوات. وما عليها الآن لو تشيخ وتبلغ أجلها، ما دام هذا هو سبيلها إلى الخلاص؟ وشاخت في أيام ... فكلّ يوم بعام، أوبأكثر من عام!