فما أحقّهما لآن بالشفقة أن قد أغضبا هذه التي يغضب لغضبها الله، ولم يشفع عندها لهما ما أبديا من ندم، وساقا من معاذير. لهما الله! * * * وخطت أولى خطواتها على طريق الرحيل. بسكينة المؤمن بقدر الله، المتطلّع إلى قضائه، هتفت بالمرأة، اللائدة بها كظلّها بصوت خفيض: «يا أمه!». فانسلّت إليها من جانب الفراش، رفيقتها تلك القائمة على خدمتها، الساهرة على راحتها، لتكون منه عند طرف البنان، رهن الإشارة الصامتة، والنظرة المؤمنة، والهمسة الوانية كنفحة النسيم الوسنان. تلكم الرفيقة الحانية: سلمى[1621] زوج أبي رافع مولى رسول الله، انسابت في هدوء وخفّة إلى الزهراء بخطىً خرساء، بدت كأنّما تسبح إليها، في جوّ الحجرة الصغيرة، على ريشة عصفور! كانت تمشي كمشية المسيح على الماء! فلقد خشيت أن يؤذي الضاوية الغالية وقع الأقدام ... بل حفيف الثياب! بل تردّد الأنفاس! * * * ولم يكن بفاطمة من سقم عضوي ممّا عرف أهل زمانها من أسقام فلا عرض لمرض ... لا أثر لعلّة تنطق بها الملامح أو الجوارح، وما بها من وعكة، إن هو إلاَّ صدى أوصاب نفسية هي حصيلة ما عانت من ضغوط الهموم والغموم.