«فلقد قيل على ألسنة الثقات جميعاً، ويزاد عليه في حديث السيدة عائشة أنّ امرأة، في فضلها واعتزازها بنفسها، كانت ترى للزهراء ـ في علمها ورصانتها ـ فضلاً على سائر النساء»[1599]. ولم تكن الصلة بين فاطمة وأبيها مجرّد صلة بين ابنة وأب على نحو ما عهدنا أن تكون عليه الصلات ـ بحكم الوراثة، وبحكم الولاء، وبحكم الانتماء ـ بين الأبناء وبين الآباء. إنّها علاقة نوعية متميّزة، بل متفرّدة المثال، لا مسبوقة ولا ملحوقة ... روحانية العاطفة، ربّانية الصفاء. كمثل نجم درّي، متوهّج السنا، متلألئ الشعاع كان حبّها إيّاه ... وكمثل هالة من ضياء نديّ كانت أشواقها تطوف حوله ـ أقماراً وكويكبات ريّانة الإشراق ـ مع كلّ ليل وكلّ نهار. وكانت مظاهر شوقها وحبّها تتمثّل في اعتزاز يفوق الاعتزاز، فلم يعرف فخر بالانتساب للرسول كفخر الزهراء، ولم يعرف أب يفخر بخلف كفخر بالزهراء. كان إذا دخل عليها قامت إليه، ورحّبت به، وأخذت بيده فقبّلتها[1600] بشغف لهيف، وكأنّما تودعها كلّ نسمة حياة. وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبّلها، ورحّب بها، وفرش لها رداءه وأجلسها، ثم لا يكون له عنها شاغل، وكأنّما هذا اللحظة من اللقاء هي وحدها الحياة. * * * وبلغ اعتزازه بها مداه في صغارها وهو يراها فيهم فيرى أعزّ ما في الوجود،