ويستلهم مشاعره نحوهم، فإذا هي خلاصة حنان أُمومة افتقدتها في طفولتها الزهراء، قد اجتمعت إلى حنان أبوة ثاكلة انفرط حظّها من ذكورة الأبناء. فربّما كان يقوم على أُولئك الصغار، يتسقط ما يريدون وما يشتهون فيقضيه والأبوان قاعدان أو نائمان بل كان أسبق حساً ويداً إليهم من أبويهم إلى ما يحسّون أو يرغبون. وربّما كان يدور عليهم، متعسّساً[1601] متفقّداً، وقلبه على كفّيه، في أيّة ساعة من ليل أو أُخرى من نهار سبغت الظلمة أو تنفّس النور، بل كانت اللحظة من يومه لا تدخل عنده في حساب الزمان إن لم يلتفّوا حوله زهرات فوّاحة العطر، وبسمات رطيبة السنا، ونبضات عذبة الإيقاع. وكانت فاطمة تعتزّ بهذه الأبوّة الكبيرة التي تفيض عليها وعلى بنيها بإشراق نفسي يملأهم بالحنان والحبّ ودفء الحياة، فتوليها مكانةً تعلو بها فوق الأبوّة الصغيرة المتمثّلة فيها وفي الإمام. وكان يسعدها وهي تداعبهم وتهدهد طفولتهم أن تهزج فتنسبهم في هزجها لأبوّة الرسول، وكانت تأخذ بكفّيّ الحسن أو الحسين في كفّيها وتقيمه على قدميه، وترقّصه وهي تغنيه: وا بأبي شبه النبي! *** لست شبيهاً بعلي * * * وعلمت عن فاطمة بلاغة يتشكّك فيها بعض من يريد التشكيك، لكن رغبة الاسترابة عند هذا المستريب لم تكن لتنال شيئاً من قوة الحقائق الثابتة، ولا أن تطمس نصاعة الوقائع التي لم يختلف عليها التاريخ[1602].