فكان أبو بكر يأخذ غلّة فدك فيدفع إليهم منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي ... وكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي كذلك[1563]. * * * ويلفت النظر في هذا الحوار أنّ أبا بكر قد أعلن تصديقه جميع الذين شهدوا، لهذا الرأي أو لذاك ... إلاَّ أُم أيمن! فقد التفت عنها، وأغفل الإشارة إلى ذكرها، بتصديق أو بتكذيب!! وإن كان لهذا من دلالة، فإنّه يكشف لنا أنّ راوية الخبر كان من بين الأُلى أسقطوا شهادة هذه السيدة الفاضلة، مرّةً بحجّة أنّها امرأة، ومرّةً بحجّة أنّها أعجمية لا تجيد التعبير! * * * وقد استفاض الحديث في «فدك» أقصى استفاضة، وبلغ الحوار والنقاش فيها حدود الغلوّ في اللجاج، حتّى ليتبيّن للناقد المتفحّص أنّ المراد منه لم يكن إثبات النحلة، أو نفي وقوعها، بقدر ما هو «مناظرات أدبية» قصارى الهمّ من ورائها إبراز براعة الفريقين المتعارضين في استنباط براهين وحجج يتصاولان بها تصاول الفرسان في مواقع الطعان، وكلٌّ يبتغي الفلج بمنطقه على غريمه وإن لم يصل أيّهما فيها إلى مقطع الحقّ وفصل الخطاب. ولا نبالغ إن قلنا: إنّ أبرز جانب من هذا الحديث استشرى الجدال فيه هو انتفاء وراثة الأنبياء. ففي هذا الجانب أكثر القوم التأويل، حتّى لنراهم قضوا بحتمية قبض أنبياء الله أيديهم عن توريث أبنائهم ما فيها من متاع. ولزموا لزوم ما لا يلزم، فذهبوا في تأويلهم بعيداً، مقرّرين: أنّ النبي ـ أيّ نبي ـ