إلى المجاملة الرقيقة منه إلى المواجهة بالحقيقة التي كان يستيقنها الرجل ـ حسبما دلّتنا المحكيات ـ ثم أمسك هنا عن ذكرها، كياسةً وحسن سياسة، مؤثراً المحاسنة على المخاشنة، ورفق الملاينة والمهاودة على جفوة الصرامة والإنكار. وهل جاءنا نبأ يقول: قد علم أبو بكر من علي حديث انتفاء توريث النبي؟ أم المشهور الشائع، الذي يشبه الإجماع، أنّه هو الذي سمع الحديث من رسول الله، ثم رواه، ثم أخذه عنه صحابة رسول الله الذين ردّدوه؟ * * * ويدور حوار آخر حول نفس الموضوع، فيقول أبو بكر: يا ابنة رسول الله، والله ما ورّث أبوك ديناراً ولا درهماً ... وأنّه قال: الأنبياء لا يورثون. قالت فاطمة: «إنّ فدك وهبها لي رسول الله». قال: فمن يشهد بذلك؟ فجاء علي فشهد ... وجاءت أم أيمن فشهدت أيضاً. ثم جاء عمر بن الخطاب وعبدالرحمان بن عوف فشهدا أنّ الرسول كان يقسمها. وعندئذ قال أبو بكر: صدقت يا ابنة رسول الله، وصدق علي وصدق عمر، وصدق عبدالرحمان ... ذلك أنّ مالك لأبيك! لقد كان رسول الله يأخذ من فدك قوتكم، ويقسم الباقي، ويجعل منه في سبيل الله. وسألها: فما تصنعين بها؟ أجابت: «اصنع بها كما يصنع أبي». قال: فلك على الله أن أصنع كما يصنع فيها أبوك! فاستحلفته: «الله لتفعلنّ؟». فأقسم: الله لأفعلنّ! قالت: «اللّهم اشهد!».