إن ورّث شيئاً، فإنّما لا يورث إلاَّ نبوّةً وحكمةً، وعلماً لدُنيّاً من عند الله. فالأيلولة هنا ـ من الأب لولده ـ أيلولة روحانية، محورها الدين، وليست أيلولة مادّية محورها المال. وبغير هذا تقول صيغة «الحديث» ... ذلك أنّها، وإن نفت توريث الأنبياء نشب الدنيا، فهي لم تشر إلى النبوّة كميراث. ونحسب أنّ كلّ ما ورد في هذا الموضوع من تأويلات، إنّما جاء بآخرة، ولم يأتِ في زمان الخلاف على النحلة، ولا عاصر القول بحديث: «الأنبياء لا يورثون». أم من ذا الذي علمناه ـ من بين المحدّثين الأوّلين، وأصحاب رسول الله ـ رأى أنّ النبوة تركة، فلم يعصمها ـ برأيه هذا ـ من أن يجري عليها ما يجري على التركات المالية التي تقسم على الوَرَثة أنصبة معلومة بحسب درجات القربى من الظهور والبطون، لكلّ ذي درجة نصيب محسوب؟ أبو بكر نفسه، الذي نقل إلينا: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» لم يقل مثل هذا المقال. إنّما النبوة اجتباء وإذا كان من العلم ما هو كسبي، ومنه ما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء، فالنبوّة كلّها نور. الله يجتبى لنبوّته من عباده من يشاء، بتقديره الإلهي يختار ... لا بمنازل الجاه، ولا بصلات الأنساب، ولا بمعايير الثراء ... ثم يؤدّب ـ سبحانه ـ عبده المختار فيحسن تأديبه، ثم يؤتيه من فضله، ويعلّمه ما لم يكن يعلم، ثم يؤهّله بالكمالات، فإذا بلغ قدرة الأداء والتبليغ، بعثه لنشر دعوته، فينطلق بها، مبشِّراً ومنذراً، ليفيض على الناس الهداية والنور. وأيّما امرى يملك مالاً، فإن ملكيّته تكسبه حقّ التصرّف في هذا المال، فيعطي منه وينفق، ويتصدّق، ويقطع، ويوزع على الوجه الذي يرتضيه. أفئن أُوتي النبوّة، وتفرّد بها من دون قومه، أيتصرّف فيها تصرّفه في المال؟ كلا، ولا جدال!