وواضح أنّ الصدر من الآية الذي اكتفى المؤرّخ بايراده في سفره، يتطابق مع صدر الآية التالية[1508]، حرفاً بحرف، وكلمةً بكلمة، حتى لقد يتطرّق إلى وهم القارئ من أول وهلة، أنّ عمر كان يعني الآية الأخيرة. فصدر الآيتين كليهما بعد اسقاط هذه الواو (مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ) وتمام الأُولى منهما يفيد أنّ الله سلّط رسوله على بني النضير، فما أفاءه الله عليه من أموالهم ـ بغير إيجاف ـ فهو للنبي وحده، يفعل فيه ما يريد ... وتمام الثانية فيه إشعار بأنّ المسلمين سألوا النبي أن يقسم الفيء بينهم جميعاً، فأرجعه إلى رسوله، وجعل له أن يصرف منه ـ في الوجوه التي ذكرته الآية ـ حسبما يشاء. دلالة ذلك قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[1509]. ودلالته أيضاً: أنّ رسول الله قد قسم منه للمهاجرين ولم يقسم للأنصار إلاَّ ثلاثة لا بما أنّهم سهماء في الفيء، بل بما أنّه صرف في سبيل الله والواقع أنّ إسقاط «الواو» قد أسقط شارح النصّ التاريخي في خطأ مقصود أو غير مقصود، إذ نراه يشير إلى الآية التي ذكرها عمر بن الخطاب في حديثه مع علي والعباس على أنّها السابعة من سورة الحشر، بينما الحقيقة أنّها السادسة في ترتيب الآيات. ولو أنّنا أخذنا بإشارته لخرجنا عن النسق الطبيعي للرواية، ولذهبنا إلى غير ما ذهب عمر ... ولحسبناه يعني الفيء الذي أوجف عليه المسلمون، وما كان أميرالمؤمنين ـ في حديثه ـ إلاَّ يعني الذي لم يوجف عليه، وكان للرسول خاصّةً، فهذا هو الذي لم يُقسم في الناس، بل غدا للنبي ينفقه حيثما أراد. * * *