أن ينتهي به تفكيره، من خلال نظره في حركات الأحداث، ومقولات المحدّثين، إلى النتيجة التي يفضي به إليها الاستقراء؟ لا حرج، فله أن يناقش ما شاء، ويستخلص ما شاء ... إنّما الحرج عليه في أن يضع المتوافق والمتناقض على درجة سواء. فهو يقرّ بالنقيض، ثم لا ينكر نقيض النقيض. فإذا حكمه الآن في المرفوض أنّه مقبول، وإذا هو بعد قليل في المقبول أنّه مرفوض ... وكأنّما رأيه في كلا الحالتين ليس الرأي «الموضوعي» الذي ينبني على جواهر الأُمور، بل هو الرأي «المرحلي» الذي يتحوّل مع تغيّر الأشخاص أو اختلاف الظروف. ذلك أنّه يظاهر أبو بكر عند القبض والامتناع، ثم يظاهر ابن الخطّاب عند المنح والإطلاق. فلقد ورد في صحائفه التأريخية أنّ عمر، بعد مرور نحو عامين من إمرته، ردّ إلى علي والعباس «صدقة» النبي بالمدينة التي كان أبو بكر قبضها عن الزهراء فيما قبضه عنها من مختلف ما طالبته به من حقوقها في أفياء الرسول[1504]. فإذا لم يكن لفاطمة حقّ في هذه الأرض: أرض الصدقة، فكيف أباح عمر زوجها ما منعها إيّاه أبو بكر منذ مستهلّ خلافته حتّى انتهاء عهده بالحياة؟ وإذا كان لها فيه حقّ فلماذا منعها إيّاه؟ أول الخليفتين منع! وثاني الخليفتين أباح! ويتعذّر التعليل ... إلاَّ أن يكون المنع، ثم المنح، يتعلّقان بأسباب أُخرى، وأشياء هي غير الأرض: أصل النزاع ... أو أن تكون سياسة الحكم ـ لأمر ما ـ قد ارتأت خيرها في التغيير. * * *