ما ورواه أبو بكر عن الرسول أنّه قال: «ما تركنا صدقة» ولذلك بقيت أُصوله مصونة على امتداد بضعة قرون، لم تتوزّع ولم يؤول أيّها إلى إنسان، إلاَّ رَحْل رسول الله، إذ دفع أبو بكر آلة الرسول ودابّته إلى علي بن أبي طالب وقال: ما سوى ذلك صدقة. والصدقة هنا ليست الزكاة، بل هي تطوّعية، أمّا الزكاة فصدقة مفروضة. روي: أنّ رجلاً أتى النبي يسأله من الصدقة، فقال له عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله لم يرض في الصدقة بقسم نبي ولا غيره، ولكن جزّأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك»[1499]. وبيّن الله من جُزئت الصدقة فيهم: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ)[1500]. فأمّا وهكذا كان التصرّف في المال الثابت فقد نجت أُصوله أن تتآكل، إذ يُنفَق ريعها وحده في الوجوه المحبوس عليها; كحال الأوقاف، فإن سدّت غلّتها الحاجة فذاك، وإن عجزت عوّض ولي الأمر، وإن زاد منها شيء جعل مجعل مال الله، أو فيما يسمّى بالأموال السلطانية، أو المال العام. وقد تساءل بعض المؤرّخين عن غضب فاطمة على أبي بكر ما وجهه، ثم عرض ما دلّه عليه تفكيره، فقال: إنْ كان غضبها عليه لمنعه إيّاها ما سألته من «الميراث» فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله، وهو ما رواه عن أبيها رسول الله أنّه قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة». ثم يكمل فيقول وهي ممّن تنقاد لنصّ الشارع الذي خُفي على أزواج النبي حتّى أخبرتهنّ به عائشة ووافقنها عليه![1501].