كالأراضي والضياع، المعاملة التي تتيح التصرّف في الغلاّت دون الأُصول، سواء اتّخذت تلكم الأُصول هيئة سهمان أم هيئة صدقات. وعلى ذلك دلالات. فلقد رأينا أبا بكر ـ كما روي عن عائشة ابنته ـ يأبى أن يعطي فاطمة صدقة أبيها بالمدينة، وفدك، وخمس خيبر، محتجّاً بما نقله عن رسول الله: «لا نورث، ما تركناه صدقة»، ثم قائلاً لها: «إنّما يأكل آل محمد من هذا المال»[1494]. ومقولة الخليفة هذه تدلّ على استمرارية «الأكل» وبالتالي على استمرارية «وجود» المال، ثم على انتقاله إلى مجال «الصدقة»، والصدقة لا تكون في الأصل، وإنّما في الريع. ومن المعلوم أنّ رسول الله، عندما آلت إليه «فدك»، كان يعمل فيها بما يراه، فيصرف «حاصلاتها» في ذوي قرابته، وما يفضل عنهم يصرفه في الجهاد. فالأصل مصون، والريع هو مورد الإنفاق. ورأينا علي بن أبي طالب يشتري لفاطمة قلادة من «سهم» له، فباعتها وأنفقت ثمنها في عبد مسلم أعتقته، وليس أبعد من المعقول أن يكون ثمن الحلية قد اقتطع من جسد السهم لم يقتطع ممّا يغلّه من ثمار. ورأينا عمر يخرج عن أرض له بخيبر ـ لعلّها من سهمه ـ فيتصدّق بها في سبيل الله، وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل وذوي قرباه[1495]، ورأيناه أيضاً في عهد ولايته يعود إلى أنصبة نساء النبي المقسومة لهنّ من خيبر قسمة تمر وشعير، فيبقي لمن شاءت منهنّ نصيبها على حاله: قسمة ثمار، ويغيّر لمن شاءت فيقسم لها قسمة أرض وماء.