وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة، تعاقبوا على القيادة، وتعاقبت عليهم المنون، والراية في أيديهم، وأقدامهم على الأديم لا تريم؟ ومن لهم بأجناد يكفونهم عدوّهم وإن هم منه إلاَّ كقطرة في محيط؟ فجيشهم ثلاثة آلاف؟ وجحافل الروم مائة ألف، ومعهم مثلهم: مائة ألف من المستعربين ... ومع ذلك فقد يسّر ربّهم لهم، على يد خالد بن الوليد، ما بدا كأنّه انتصار! وها هي أيضاً غزوة مكة أو الفتح المبين، تأتي على الأثر، فترقأ الدمع، وتلأم الصدع، وتداوي الجروح. فلولا أن أوقع الله الرعب في قلوب المشركين، وسبقت مشيئته إلى عباده بالنصر، فربّما كان لها شأن غير ما كان. ثم ها هي هوازن، وما انقضت على «الفتح» إلاَّ أيام، قد خرجت ـ رجلاً وطفلاً وامرأةً، بعددها وعدّتها، بمالها وميرتها[1387] ـ لتجتثّ محمداً ورجاله من الجذور، وما ناصبها العداء، ولا آذنها بقتال. ويمضي المسلمون للّقاء ومعهم طائفة من أهل مكة، لعلّ كثرتهم إنّما سعت ابتغاء المغنم والسلب وليس ابتغاء نصرة الدين، وفي عماية الصبح، ينحدر جند الإسلام في أحد أودية «تُهامة»، فلا يروعهم إلاَّ كتائب العدوّ تنقضّ عليهم من مضايق بين الشعاب قد كمنت فيها من الليل الذاهب، وراحت تشدّ عليهم شدّة رجل واحد، من كلّ جانب. ويضطرب الأمر، ويختلط على المجاهدين، وتدفعهم البغتة إلى التشتّت أو إلى النجاة، لم يثبت منهم سوى الرسول وعليّ ونفر قليل من صحابة الذين باعوا نفوسهم لله. ويصيح رسول الله منادياً الفرّار: «أين أيّها الناس؟ هلمّ إليَّ!».