لكن بعض قريش يحرّك الموقف الضنك[1388] ما في قلوبهم من ضغن على محمد، حتّى ليودّ أحدهم أن يغدر به لولا أن كفّه الله عن نبيّه فأنجاه. وتتحدّث ألسنتهم بما احتوته جوانحهم السوداء من شماتة وغلِّ، فيقول كبيرهم[1389]: والله لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! ويقول آخر: ألا بطل السحر اليوم! أمّا الرسول فقد ثبت في مكانه لا يزول وإن غشيه الكفّار، مُذكِّراً الناس: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب!»[1390]. وتمرّ به في هذه اللحظة الحازبة أُم سليم بنت ملحان[1391]، فتدنو منه، وفي يدها خنجر أعدّته لتبعج[1392] به أيّما مشرك يهمّ أن يناله بشرٍّ. ويملكها خوفها عليه، فتودّ لو افتدته بالنفس والآل، فتقول في لهفة مزاجها ولاء: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ثم يملكها غضبها على الأُلى من رجاله تشتّتوا عنه، فتهيب به وهي محنقة يأكلها