هو مال الوارث[1385]. ويتطرّق الظنّ إلى الذهن، فيكاد يرى في موقف أبي بكر هذا ما قد يكشف عن فكرة ربّما ظلّت راسبة في عقله الباطن زمناً، ورافضة للنحلة كقاعدة للتمليك، فلمّا أُتيح لهذه الفكرة الطفو من أعماقه اللاواعية على سطح إدراكه الواعي ـ ما أن أشرف على الرحيل عن دنيا الناس ـ بادر فبلورها في سلوك عملي، فرفض نحلة أمّ المؤمنين. ويتطرّق الظنّ أيضاً إلى أنّه تحرّى العدالة فحرم ابنته نحلتها منه، كما حرم فاطمة نحلة رسول الله، فلا يقال كال لهذه بمكيال ولتلك بمكيال. أمّا هو فيعلّل موقفه بأنّه إنّما يؤثر أن يكون مال الأب ميراثاً، وقسمةً بين ولده، على كتاب الله لا على مقتضى الرغبة الخاصّة، كما يبيّن من حديثه للابنة الجليلة. أما سمعناه يقول لها عن نحلته: هي مال الوارث، وأحبّ أن تكون قسمة على كتاب الله؟ وليست النحلة كالميراث. فالنحْل يعني تفرّد المنحول بما قد نحله من مال، وهو بصفته هذه يحجب جانباً من الإرث عن مستحقّيه، والميراث يعني مشاركة آخرين في المال الموروث. ومع التسليم بشرعية حقّ المالك الأصيل في التصرّف في ماله، بتوزيعه بأساليب شتّى في حدود معلومة، فإنّ الخليفة الأول ـ فيما نضح به سلوكه ـ قد تبدّى كمن يرى أنّ قاعدة التوريث هي أول كلّ تلكم الأساليب، وأولاها بالاتّباع. غير أنّ ما ينبغي الالتفات إليه ها هنا هو أنّ وضع نحلة فاطمة ووضع نحلة عائشة مختلفان، في ميزان الهبات. فما يجري على نحلة أُم المؤمنين لا ينطبق على نحلة الزهراء ... فبينما كانت فاطمة وحيدة الرسول، كان لعائشة إخوة وأخوات، ومن ثم فإنّ تمييزها بنحلة من دون ولد أبي بكر فيه إجحاف بولده الآخرين. قيل: جاء رجل إلى النبي فقال له: إنّي أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطيّةً، فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله.