هداه إلى أنّ الزهراء أُمّ أُولئكم الولد، كانت وحدها مالكتها من دون سواها من آل الرسول. وهل كانت الابنة لتنفرد بها لولا أن تكون قد انتقلت إليها «نحلةً»، ممّا «أفاء» الله ـ ملكاً خالصاً ـ على أبيها عليه الصلاة والسلام؟ والثاني ـ العباسي ـ : يعلن باللفظ الواضح والعبارة الجليّة أنّ الرسول «أعطى» ابنته أرض فدك، وأنّ ذلك كان أمراً ظاهراً معروفاً عند آله. فأهل النبي إذاً على العطيّة شهود ... ولا مجال بعد هذا لشبهة أو تلبيس. ومن ثم فقول الخليفتين هذين إقرار، بوقوع «النحل» وثبوته. إقرار بليغ! وكفى به بلاغة أن أتانا من لدن رجلين ذوي سلطان غير محدود، يملكان المنع لو شاءاه، ولا معقّب على ما يشاءان. وما نظنّ شهادةً أقوى أو أسطع ممّا يعلنه مثلهما، وهما سليلا أُسرتين ظاهرتي اللدد والخصومة لآل البيت، ما كانا ليحابيا الزهراء، أو ينصراها على أسلافهم الذين جاروا على حقّها وحقّ عقبها لولا توهّج هذا الحقّ توهّجاً تغشى له عيون المكابرة والإنكار. بل ما هي بشهادة، بل اعتراف! والاعتراف سيّد الأدلّة كما يقال، وكما تجري بوصفه أو «تكييفه» القوانين والأعراف. ولقد بلغ ما بدا من تألّق هذا الحقّ واقترانه بالحقيقة إلى الحدّ الذي سمعت فيه من قد مال بأبي بكر ـ وهو راضي النفس غير متحرّج ـ نحو مساندة واقعة «النحل»، والأخذ فيها بقول فاطمة دون مراجعة ولا جدال. قيل[1382]: جاءت فاطمة إلى أبي بكر وقالت له: «إنّ أبي أعطاني فدكاً ...».