المأمون بن هارون الرشيد. قيل: لمّا ولي المأمون الأمر، وجلس للمظالم، كان أول ما وقع في يده رقعة، ما أن ألقى عليها بصره حتّى دمعت عيناه، وقال للذي على رأسه من رجال حاشيته: ناد: أين وكيل فاطمة؟ فنادى ... فقام شيخ عليه دُرَّاعة[1381] وعمامة وخفّ تعِزَّى، فتقدّم من الخليفة وجعل يناظره في فدك، والمأمون يحتجّ عليه، وهو يحتجّ على المأمون ... حتّى إذا اقتنع أمير المؤمنين بحجج الشيخ، أمر أن يسجّل لأبناء فاطمة بها. فكُتب السجلّ، وقُرئ عليه، فأنفذه. وكُتب بما سُجِّل إلى قثم بن جعفر: عامله على المدينة. وكان ممّا أورد في كتابه: ... أنّه كان رسول الله أعطى ابنته فاطمة فدك، وتصدّق عليها بها ... وأنّ ذلك كان أمراً ظاهراً معروفاً عند آله ... ثم لم تزل فاطمة تدّعي منه بما هي أولى من صُدِّق عليه ... وأنه قد رأى ردّها على ورثته. * * * وما فعله عمر بن عبدالعزيز، وعبدالله المأمون، ومن نهج على نفس نهجيهما من الخلفاء، فيه دلالة لا يمكن نقضها أوالمماراة فيها، تقدّم لنا إقراراً بحقّ الزهراء في فدك «النحلة» بمضمون المعنى الذي لا يُختلف على حقيقة فحواه، أو بصريح اللفظ الذي لا يُتأوَّل مغزاه. فالأول ـ الأموي ـ يؤكّد أنّ «فدك» بالنطق القدسي، هي ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. ثم يقضي باختصاص ولد فاطمة بها، لا من فراغ، وإنّما نتيجة لازمة بطبيعة الحال، لعلم انحدر إليه من أسلافه، ومن خلال ذوي الاطّلاع على حقائق الأُمور،