وأحياناً تشحّ وتشتدّ، فنراها تميل إلى التزّمت، وتأخذ بمنهاج تكميم الأفواه. والحاكم ـ عادةً ـ صانع ومصنوع، فهو كما يصنع الأحداث تصنعه الأحداث، ثم لا مفرّ في نهاية المطاف ـ صَنَعَ أو صُنع ـ من خضوعه للأوضاع التي تسود مجتمعه أو تتحرّك فيه، أو تحرّكه كما يحرّك اللاعب قطع الشطرنج على رقعتها السوداء البيضاء! فقد يرى خيره في مهاودة غريمة ومصانعته، فيهاود ويصانع حتّى تواتيه فرصة لمهاجمته، فيهجم حتّى الاكتساح! أو يرى خيره في العنف والشدّة، فيعنف ويجتاح! ووشيكاً سنسمع معاوية ـ بعد أن توطّد له عرشه ـ يقول: لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، فلمّا سُئل: كيف؟ أجاب: إن شدّوها أرخيتها، وإن أرخوها شددتها[1374]. وكذلك كان مسلك النظم الحاكمة حيال «فدك» نحلة الرسول، أو قل: حيال آل بيت الرسول! تلين عندما لا يكون لها بديل عن اللين إلاَّ البوار، وتقهر عندما تحسب أنّ الهوادة خسار. ومن ثم فقد مرّت من الزمن فترات كانت وجهات النظر تتقارب خلالها بين الخصيمين، فتضيق شقّة الخلاف، فإذا النزاع بينهما كأنّه غاض، وإذا مظاهر الودّ تطفو على السطوح وإن اضطرمت النار في الأغوار، وإذا الفريقان على تربّص كأنّه تهاون، أو على تهاون كأنّه وفاق. لهذا جرت المحكيات بنحلة «فدك»، ذهاباً وجيئةً، بين السخاء والمنع، آناً ترضى فتدفع، وآناً ترفض فتقبض، وما ثمّة من معيار ثابت لهذه الحركة، الأُرجوحية بين القبول والإباء، أو الإباء والقبول. فالسلطة ترضى فتردّها على ولد فاطمة ... ثم تغضب فتقبضها عنهم! فإذا هي دولة بينهم وبين غيرهم، وإذا هي تتنقل من أُولاء إلى أُولئك، ومن أُولئك