أجل ... لو صحّت الرواية، ولم يُعلم الرسول زهراءه بنحلته، لانقطعت مسيرة التاريخ في هذه القناة، وتحوّل صيّبه[1372] إلى غير مجراه الذي عشناه. لكن ... ليس بهذا تطالعنا الوقائع، وتنطق الشواهد، وتتحدّث الأدلّة، وتتكلّم الأسناد. فالرواية كأنّها مدعاة، وهي أقرب إلى الخيال العابث منها إلى الصدق الرصين. فأن يهب محمد فاطمة شيئاً يمكله، ثم لا يخبرها بأنّه وهب، ويخبر غيرها ـ أُمّ أيمن أو من عداها من الناس ـ لهو ممّا لا يمكن أن يصدر من نبيٍّ أول مزاياه أنّه يحسن البلاغ، ويسلّم الحقّ إلى من يستحقّه، ويضع الكلم في مواضعه، ولا يتركه لاضطراب التأويل[1373]. وكانت «فدك» خليقة ببيانه الدقيق، ومقطع الحقّ فيها تبرزه الوقائع وتؤكّده المصاديق. * * * ولقد نعلم أنّ «فدك» تجاذبتها الأخبار، بين الإقرار وبين الإنكار، آناً إلى اليمين وآناً إلى اليسار. لكنّنا نعلم أنّ ما ورد فيها من الروايات، كان ذا صور جمّة، وألوان أعداد ... وكلّها: بمبانيها ومعانيها، كانت تدور محاور مختلفات، من التقلّبات السياسية، والتيارات الفكرية التي ينفعل بعضها ببعض، متأثّراً ومؤثّراً في حركة الوقائع والاجتماع. فللسياسة والفكر قوة وسلطان، ولكليهما قدرة على التغيير. ومن ثم فإنّ الظروف المهيمنة على مصائر الأُمور، قد تسخوا أحياناً وتلين، فنراها تفسح المجال لما نسمّيه «الرأي الآخر» في لغة عصرنا الذي نعيش فيه،