بعض الرواة، وأملى لهم في إثباته وتوكيد صحّته بكلّ جهد جاهد، وكلّ عزم عنيد. شأنهم في هذا شأن أمثالهم في الانجذاب إلى السلوكات «السلطانية» وإن هم تأوّلوا لذلك تأويلاً يساند ما يقدّمون. عندئذ لا نعجب لو رأينا أمامنا رواية صدق، راويتها يبدو وهو مثخن بالخدوش والخموش، وبناؤها يلوح وهو مَؤُوف[1368] مملوخ[1369] ... فإذا هي قصّة لا تكاد تطمئنّ إليها قوى الإدراك، تذكر لنا بصريح اللفظ وجليّ المضمون: أنّ نظرة الخليفة ونظرة فاطمة إلى فدك ـ كنحلة ـ تتطابقان، حتّى ليظهر أنّ بضعة الرسول تقرّ بأنّها لم تعلم بواقعة «النحل» من نطق أبيها، وإنّما علمتها من نطق سواه! والقصّة تقول: ... ولمّا قُبض[1370] النبي طلبت فاطمة ابنته إلى أبي بكر أن يردّ عليها ما ترك من أرض فدك وخيبر، لكن أبا بكر أجابها بقول أبيها: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة». ثم قال لها: فأمّا إن كان أبوك قد وهب لك هذا المال، فإنّي أقبل كلمتك في ذلك وأنفذ ما أمر به، وأجابت فاطمة بأنّ أباها لم يفض إليها بشيء من ذلك، وإنّما أخبرتها أُمّ أيمن بأنّ ذلك كان قصده ... عند ذلك أصرّ أبو بكر على استبقاء فدك وخيبر، وردّهما إلى مال المسلمين[1371]. ومع هذا، فلم يقف أمر «النحلة» عند هذا الحدّ المحدود، إنّما ظلّت عشرات السنين مضغةً للغط الألسن، ومضماراً لاصطراع الأفكار. ومن وراء هذا كلّه روايات شتّى، راحت تدفعها دفعاً على الحلبة الإسلامية، نحو غايات معلنة أُخرى خفيّة، لتتبارى على بلوغها تباري جياد السباق ... بعضها نحو التوفيق، وبعضها نحو التفريق!