أفلا يرى الشيخ، وإنّه في بداره هذا لمعذور؟ أمّا أن يكون ساوره الشكّ في صدق فاطمة، فهذا هو المحال. ذلك لأنّه يعلم أنّها بضعة الرسول، الصادقة من صادق، الأمينة من أمين، ولأنّه يعلم أنّها المنزَّهة، قولاً وعملاً، عن الدنيّات: كبائرها وصغائرها، إذ أذهب الله عنها الرجس، فكانت وآل بيتها من المطهَّرين. ولأنّه يعلم أنّها تعفّ عن ذخائر كنوز الدنيا، فما بالك بسلخة من الأرض مهما رقّت قيمةً في حساب الثروات، فإنّها أخسّ من أن تبلغ عُشر معشار قطرة واحدة في محيط تلك الكنوز. ولأنّه يعلم أنّها الصدّيقة النورانية، التي رفعها ربّها مكاناً عليّاً فوق بنات جنسها إلى يوم يبعثون، وسلكها في خيط واحد من التشريف والتكريم مع قدّيسة القدّيسات: مريم البتول، أُمّ السيد المسيح، التي أوحى إلى ملائكته الأبرار فخاطبوها بنطقه القدسي الربّاني قائلين: (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)[1366]. * * * كلا! ليس لائقاً إذاً أن يطارد خليفة رسول الله بهذه التهمة الفادحة: تهمة تكذيب الزهراء. حاشاها! وحاشاه! ولا أن يذهب الرأي فيه مثل مذهب «الكُمَيْت» الشاعر، إذ نظم شعراً يقول: إنّي أُحبّ أمير المؤمنين ولا *** أرضى بسبِّ أبي بكر ولا عمرا