وكان أبو بكر ـ بغير شكّ ـ من بين خاصّة صحب الرسول، الذين كان لا يكاد عليه الصلاة والسلام يحجب عنه سرائره المكنونة، فما البال بسلوكاته التي لا حرج لو تذيع؟ ثم لعلّ قائلنا هذا يضيف إلى افتراضه آخر، فيقول: من الجائز أيضاً أنّ أبا بكر لم يعلم بتصرّف فاطمة في «فدك» تصرّف المالك في ملكه إبّان حياة الرسول. ربّما! فليس من المستبعد أن يخفى عنه أنّها تصرّفت، لأنّ التصرّف سلوك شخصي خاصّ، لا يتحتّم معه الإعلان عنه على رؤوس الأشهاد. ولا هو بمحال أن تكون الابنة قد وكّلت لأبيها التصرّف عنها، لأنّها تدرك أنّه أقدر منها، وأشدّ تمرّساً بإدارة المال. أوعن تأدّب في حقّه، وإجلال لشأنه، تركت له القيام في ملكها بما هو أَلْيَق بالرجال. أو أن تكون قد فعلت هذا تحرّزاً أن يقال فيها: أعطاها أبوها وما كاد حتّى أسرعت فأخذت وزرعت واستثمرت، فبدت لأعين الناس في هيئة اللهيف المتعجّل، والمتحفّز المحروم. أو أن تكون قد احتذت قول الله (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)[1364]، وقول الرسول: «أنا أولى بكلّ مؤمن ومؤمنة»[1365]، فجعلت له الولاية عنها في هذه الأرض المنحولة، وليس أحد في العالمين أحقّ منها باحتذاء هذه الأقوال. كلّ هذا احتمال، مجرّد تقدير، نستيسر فنقول: لا يقع في مجال التقرير. فإذا بدر من أبي بكر ما ينفي وقوع النحلة ... وإذا قبض ومنع ... وإذا حرم الزهراء حقّاً لم ير مأتاه.