الناس: من كان له دين أو عدة على رسول الله فليأتني. يقول جابر: فأتيت أبا بكر، فأخبرته أنّ النبي قال لي: «لو أتى مال البحرين أعطيتك ثلاث حثيات»[1363]. فأجاز الخليفة قول جابر ... واعطاه مُدّعاه. * * * فلماذا إذاً لم يجز أبو بكر دعوى فاطمة بالنحلة استناداً إلى علمه اليقيني بصدقها، أوارتكازاً إلى شهادة الواحد إذ شهد عليٌّ أنّها صاحبة نحلة رسول الله؟! لقد يقول قائل: إنّما احتاز الخليفة الأول فدكاً إلى بيت المال لأنّه لم يكن يعلم أنّ النبي نحلها ابنته الزهراء. ربّما! فالملك من خصوصيات مالكه، يعمل فيه بمطلق إرادته، ثم لا عليه ألاَّ ينشر خبر عمله فيه إلاَّ على من اختصّه بهذا العمل دون سواه. وأنت تعطي من خصوصية ملكك ما شئت لمن شئت، فلا تكاد يُسراك ـ كما يجري المثل الدارج ـ تعلم بما أعطت يُمناك! ... ثم لا يعرف أحد غير الذي أعطيت نبأ العطاء. ومن هنا، فإنّ من لا يعلم وقوع العطيّة قد ينكر حدوثها، فيحكم بمقتضى «علمه السلبي» أو «لا علمه!» وهو واثق بصواب حكمه، لأنّ الحقيقة التي لا يعلمها منقطعةً عنه نتيجةٌ لما قرّ في ضميره من إحساسه بأنّه من أخصّ خاصّتك، وأولاهم بمعرفة ما تفعل.