الآيات، وإذا الناس حين بلغهم الأمر قد هالهم خبره، وتزلزلت منهم العقول والقلوب، فلاذوا من هذا الذي راعهم بحصون من الريب والظنون. لكنّ الشكوك لا تلبث أن تتهاوى على جانبي مسراه، والظنون تنحسر عن أسرار رحلته القدسية بعد أن دحضها بالبراهين المادية، والمرائي اليقينات. ألم تر كيف وصف لهم معالم على الطريق، وروى أنباءً حديثةً صادفته في إسرائه كانت مغيبة عنهم، ثم مالبثت أن طالعتهم بعد قليل فصدّقت قوله، وطابقت واقع الحال، ما كان النبي ليعلمها لولا أن شهدها شهادة عيان؟ فهل ممّا يناقض سواء الاستقراء أن يخلص الفكر العدل إلى لون من التنظير بين حادث الصخر والشرر وبين واقعة الإسراء؟ لا تناقض في المضاهاة. فتشابه الحدثين قائم، إذ كلاهما خرق النواميس الكونية، وكشف للرسول الغطاء عمّا لا تدركه الحواسّ المخلَّقة في طبيعة الإنسان. وتعال فاشهده عليه الصلاة والسلام، كيف انفتحت له ـ لحظة تهشّمت الصخرة وأضاء الشرر ـ أستار المسافات الزمانية، على مستقبل مشرق لا تنمّ أوضاع ذلك الحاضر المدلهمّ المتأزّم عن حلوله في غد قريب أو غد بعيد، ولا يستطيع أن يحيط به علماً إلاَّ الله ومن اختار من رسول! وكيف انجابت له أيضاً سجاف الأبعاد المكانية عن مرائي لم يشهدها من قبل، ولا تقع منه في مجال الإبصار! وكيف كان محالاً من محال ـ وما زال ـ أن يرى أيّ إنسان بنظرة واحدة، في نفس اللحظة، من نفس المكان، ما هو قائم خلفه، وقائم قدّامه، بسبب عجز العين الثابتة الحملاق عن الإلمام البصري بالمتعاكسات والمتفارقات الواقعة في الشرق والشمال والجنوب: ببلاد فارس وأرض الروم ومنطقة صنعاء؟ لكنّ محمداً رأى هذا المحال. فكيف تحقّق هذا الذي لا يقبل التحقيق؟!