وانتقال المرائي والمسامع في إبّانه في شاهد لغائب، لهو حقيقةٌ واقعةٌ، ويقينٌ من يقين؟ ولقد حدث هذا بعد بضعة أعوام، بين سارية بن حصن وعمر بن الخطاب، فسمع عمر استغاثة سارية، ورأى الكرب الذي يعانية، فدلّه على الخلاص[1279]. وملكات الأنفس البشرية أسرار وأعاجيب ليس لها حدود. فإذا شطّ بامرئ تفكيره، فخال الزهراء قد توسّمت جلالة الفتح المرتقب الذي رأى أبوها معامله على لمع البرق ودويّ الطَرْق، فهل من تثريب؟ نحن لا نقول: إنّها رأت، وليس ثمّة ـ على أنّها رأت ـ دليل منقول، لكنّنا أولى بألاَّ ننكر عليها حدّه ملكة الاستشعار، وألاَّ نغمطها[1280] حدسها الصادق الذي لا يمين. وكيف عسانا ننكر ونغمط وهي بضعة الرسول، والبضعة من الكلّ ... كيانها من كيانه، ملكاتها من ملكاته، صفاتها من صفاته، مزاياها من مزاياه. فإن يكن أحد في المسلمين قد استشعر خطورة ما ينبئ عنه هتاف الهاتفين، وتكبير المكبِّرين، من فتح مبين، فإنّها إذاً أول المستشعرين! * * * ومن الحقيق بالذكر أن يقال: إنّ النظرة التي تُعنى بتعمّق حديث الخندق أخلق بأن تقف أمام حدث الصخر والشرر وقفة تأمّل وإمعان فكر ترجع بها على جناح الذهن إلى الوراء بضع سنين، لتتراءى في مرآة حديث الإسراء، فلا يكاد الحدثان إلاَّ يتشابهان صورة وصورة، لأنّهما يتضاهيان في الإجمال وإن تباينا في التفصيل. فلقد أسرى الله بعبده المختار من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فإذا الرسول قد انتقل بين القبلتين، ثم رجع ـ عوداً على بدء ـ إلى حيث كان، وإذا هو قد طُوِّق في نقلته الإعجازية بالسماوات العُلى، ليرى ـ من آيات ربّه الكبرى ـ كبرى