ماذا كذلك غير «التثليثية» التي تدّعي أنّه ـ سبحانه ـ ثالث ثلاثة، كلّهم إله؟ ماذا أيضاً غير «الازدواجية» التي تُثنّي الله في إلهين: ظلمة ونور؟ فإن يكن فتحاً فهو العودة إلى الفطرة السويّة، وتوحيد العالمين أجمعين على «وحدانية» الله ... ودون ذلك ملل ونحل ومذاهب تحميها نظم سياسية طاغية، تتسنّم عروشها شاهنشاهية» الأكاسرة، وامبراطورية القياصرة، «ونجاشية» الأحباش. نعم، ولا جدال. فَحِزَمُ قريش، وشراذم يهود، وجماعة القبائل الذين تحزّبوا عند ذاك ضدّ الإسلام في رباط، هم أهون شأناً من أن تلعلع[1277] بالفلج عليهم هذه التكبيرات التي انبعثت من قلب الرسول وقلوب أصحابه يوم الخندق عبر حناجرهم، لتردّدها وراءهم ـ تسبيحاً بعظمة الله واقتداره ـ رمال الصحراء وكواكب السماء! وأيّما امرئ في الناس شهد ذلك المشهد، وسمع ذلك الهتاف، حريّ بأن تحدّثه نفسه بالفتح المبين الذي لن تلبث أن تنجاب عنه سجاف الغد، وتتكشّف أسرار المستقبل، بعد حين قد يظنّ أنّه بعيد وما هو ببعيد. أفلم تكن بينهم نظرة نافذة، ترى بعين التخيّل الملهم ما لا تدركه الأبصار؟ أو أُذن غيبية تسمع بشارة القدر من خلف حواجز الأبعاد الزمنية وآماد المسافات؟ أو حدس صادق يتوفّز شوقاً لاستقبال نصر الله المكنون، ويسبق إليه خطوات السنين، ودورات النجوم والأفلاك؟ لِمَ لا ... وإنّ «الإحساس» بالمجهول وإن شتّ البُعد، ونأْت المحسوسات ـ مكاناً وزماناً ـ لشيء وارد ومعلوم؟ وإنّ «التخاطر» للُغةٌ مفهومة، تعرفها الأنفس المشرقة، إذا ما تطابقت حسّاً بحسّ، وتوافقت وجداناً بوجدان؟ وإنّ تبادل الشعور على البُعد[1278]،