الطَرَقات، وسمعت «الله أكبر» تلهج بها ألسن المجاهدين مردّدة عن رسول الله، ثم تأنّست بالنصر العابر إليها من المستقبل المجهول على بحر التكبير. فإن تكن أنست ـ وما أخالها إلاَّ كذاك ـ فأيّ نصر شامت غير نصر كبير؟ أنكسة لأعداء الله؟ أردّة دون الخندق إلى الوراء؟ أدحرة وانقهار؟ بل أكثر من هذا بكثير. فتهليل المجاهدين كان ينبئ عن شيء أكبر من مجرّد الظفر بمعركة عادية مهما يقال فيها، لن تبلغ حدّ الفصل بين عهد أشرق وعهد غرب، لأنّها وقعة كعشرات مثلها توالت على طريق الكفاح الذي يؤدّي ـ عاجلاً أو آجلاً ـ إلى تغيير وجه التاريخ. إن هي ـ هكذا ـ إلاَّ حلقة من حلقات الصراع الطويل، ينقشع[1275] غبارها عن غالب ومغلوب، ثم تهدأ النائرة تحت الرماد لتندلع من جديد. وليس على مثل هذا تدلّنا رؤية الرسول يوم تهشمت تحت معولة تلك الصخرة المروة البيضاء، ولا يدّلنا ارتفاع أصوات حُفّار الخندق بالتهليل والتكبير، حمداً لله وشكراً لنعمائه على ما أوحى به إلى رسول الله، وأوحى به حديثه يومئذ إلى أصحابه من نصر عظيم. بل فتح عظيم! بل غلبة كاملة للإسلام على ما حوله من مكامن الخطر التي كانت ـ إلى تلك اللحظة ـ لا تفتأ تصدّ تيّاره، وتردّ انتشاره، وتحول بينه وبين طيّة[1276] الملل الرواكد، والعقائد البوائد التي ما زالت بقاياها تنال من وحدانية الله جلّ جلاله، وتشدّ الفكر الإنساني الصائب إلى الوراء. وماذا ترى كان يخدش قداسة الربوبية، ويطمس في العقول «التفرّد» الإلهي، غير تلكم «التعدّدية» المتمثّلة في الأصنام؟