اللوحة الثانية حديث الشرر والصخر، الإسراء الثاني ظلّوا يحفرون. الأيام الستّة التي تنجز شقّ الخندق ما زالت فيها بقية، بين حدود المدينة ومكان الحفر كان ارتجاز الرسول وأصحابه يترنّم نشيداً عذباً يتوافق مع إيقاع ضربات المعاول في الصخر، عبر الفضاء راحت أصواتهم تتردّد كأنّها ترانيم الملائكة حول عرش الرحمن. أول ما كان ما يبلغه ذلك التغنّي بذكر الله سمع أُولئكنّ اللائذات بالحصون والآطام، وأول كيان كان يهتزّ بالتيمّن والاستبشار كيان الزهراء. فأُذنها دائماً على الإنشاد الناب من الإيمان، وعينها على الصحراء الحبلى بأعداء دين الله وقد أوشك أن يجيئها المخاض! وقلبها على نصر الله الموشك فجره على الانبثاق. فالبضعة النبوية الشريفة لم تشكّ في أنّ ربّها آخذ بأيدي الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حقّ بتجبّر الطواغيت، فلسوف ينتشل تعالى نبيّه من لجج الخطر الزاحف، ليتمّ الدين، لسوف يسلمه إلى شاطئ النجاة والأمان، وليُذهبنّ الأحزاب في الغابرين، وليجعلنّهم حديثاً يُروى، يتندّر بخيبتهم السُمّار. * * *