فإن يكن هذا أو ذاك فإنّها اليوم أحقّ بالرعاية والتأمين منها من قبل، وقد ازداد جسمها نحولاً وضموراً، وغلب على لونها الشحوب، وقد عانت ما تعاني أُنثى مثلها ضعيفة هزيلة قامت عن الولاة منذ نحو شهرين، يزيدان أويقلاّن بضعد أيام. فلقد جاءها المخاض في رجب الخامس، فلمّا وضعت، وضعتها أُنثى ... سمّوها «زينب» تيمّناً باسم خالتها زوجة أبي العاص بن الربيع التي غدت لفاطمة أُمّاً ثانيةً، تعهّدتها طرفاً من حياتها بالرعاية والحبّ والحنان بعد أن غُيِّبت أُمّها «خديجة» في ثرى الحجون. وليس الذكر كالأُنثى، كما قيل في مريم البتول. لكن أُنثى الزهراء هذه كانت ـ من قبل خروجها إلى دنيا الأحياء ـ منذورة لأُمور ذات خطر، ومدخرة ليوم هول عظيم وقفت خلاله مواقف من الشجاعة، والجلد وثبات الجنان، يتهاوى أمام مثلها قلوب أصلب الشجعان فلولا أن قضى ربّك، فخرجت هذه الصغيرة إلى الحياة، وعاشت عمرها، فلربّما تغيّر مسار التاريخ. لربّما توقّف موكب الأئمة الأعلام، هُداة الأنام، بعد رحيل أبيهم الحسين: سيّد الشهداء، لربّما انقطع نسل الرسول العظيم. لكن مشيئة الله كانت كيفما قضى أن تكون وعندما تتعاقب حلقات الأعوام، ويبلغ الكتاب بالطفّ أجله في الإمام الحسين، وتساق بناته سبايا في موكب رأسه الشريف إلى قصر الإمارة بالكوفة حيث ابن زياد. عندئذ يبصر الأمير الفاسق بالفتى علي بن الحسين، زين العابدين، وهو عندئذ مريض مهيض، فتأخذه الدهشة كيف أفلت من مذبحة كربلاء بُنيّ كهذا من بني الشهيد بلغ نضرة الشباب، والعهد أنّ رجاله الغاوين قد أفنوا سلالة السبط الذكران؟! فيسأل الغلام: أليس الله قد قتل علي بن الحسين؟ يقول الفتى يعارض الأمير: «كان لي أخ يسمّى علياً قتله الناس». فتسوء صيغة هذا الجواب ابن زياد فيقول وهو مغيظ: بل الله قتله! فيفحمه الغلام بردٍّ جريء «الله يتوفّى الأنفس حين موتها».