يقلّبون الآراء، عسى أن يهتدوا إلى وسيلة تكفّ عنهم الخطر المقبل، وتجنّبهم وبلدتهم أن يقصفهم أعداء الله. كان جند محمد عندئذ ثلاثة آلاف، وكانت الأحزاب ثلاثة أضعاف. * * * فلمّا جاء خبر الحشد العدواني، قال رجال من المسلمين للرسول: نبقى حيث نحن وننتظر، فإذا دخل علينا الغزاة قابلنا جموعهم بمقاومة شعبية يشترك فيها الرجال والنساء، الكبار والصغار، تترصّدهم في كلّ درب، وتتربّص بكلّ دار حتّى تقلب عليهم المدينة شعلة هلاك. وقال آخرون: بل نخرج إليهم، فلا ندع لهم فرصةً لاقتحام ملاذنا علينا، وإنّما نضربهم ونحن على جمام وراحة، وهم على تعب ونصب، لم ينفضوا بعد عن نفوسهم مشقّة زحفهم الطويل، ولا غبار السرى والتسيار. وتصارع الرأيان. فما أصابوا يوم «بدر» يؤكّد أنّ الخير في المبادرة والخروج، وما أصابهم يوم «أُحد» يحدوهم[1264] إلى البقاء والانتظار. فكيف وفي صفوف المغيرين كثرة وفيرة من الفرسان، تحتّم الحيطة والحذر، واتّقاء الاشتباك على ساحة فسيحة، تيسّر للعدوّ الكرّ والفرّ، وسرعة الحركة، واختراق صفوف المسلمين، ثم تمزيقها قطائع وشراذم تجعلها فرائس سهلة للتطويق. لكنّ سلمان الفارسي جاءهم من أساليب القتال بأُسلوب جديد، قال: يا رسول الله، إنّا كنّا بأرض فارس، إذا تخوّفنا الخيل خندقنا على أنفسنا. فأعجبت الفكرة الرسول، ونشط والذين معه يشقّون خندقاً حول المدينة، عملوا في شقّه ليل نهار، حتّى اتمّوه في ستّة أيام.