أمّا عن بني النضير، الذين ترفّق بهم النبي بعد حادث صخرة ابن جحاش، ولم يوقع بهم وأجلاهم، فقد قال الزعيم المخاتل: تركتهم بين خيبر والمدينة، يتردّدون حتّى تأتوهم، فتسيروا معهم إلى محمد وأصحابه. وأمّا عن بني قريظة فقال: أقاموا بالمدينة مكراً بمحمد حتّى تأتوهم فيميلوا معكم. وراقت المؤامرة لزعماء قريش، استهواهم أن يساندهم أصحاب التوراة، وإنّهم لعلى دين منزَّل من السماء! وسأل سائل: يا معشر يهود، إنّكم أهل الكتاب الأول، وأهل العلم بما أصبحنا نختلف نحن ومحمد فيه، أفديننا خير أم دينه؟ فتنكّر إخوان القردة والخنازير للناموس، وقالوا كاذبين ومفتونين: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحقّ منه! فحقّت عليهم لعنة الله، أنزل فيهم سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً)[1262].[1263] وأخذت المؤامرة تثمر. فلقد عرف أُولئك النفر من يهود كيف يستدرجون بعض القبائل، ويكف يجتذبون إلى جانبهم كثيراً من المنافقين، ويحتوونهم في غايتهم، وكيف يفتلون بمكرهم الخسيس أبناء التوراة الضاربين على مشارف المدينة ليمارسوا خيانتهم للرسول، ويغدروا به، وهم معه على حلف ووفاق. واشتدّ الأمر برسول الله إذ علم الخبر، فذهب ورجاله مذاهب شتّى في التفكير،