قَتَلة الأنبياء، على نفس سننهم الخبيث. إن عجزت أصابعهم عن لمس محمد بشرِّ، حرّكوا أصابع غيرهم لتلتقط لهم الشواء من التنور! ونفضوا عن جمر البغضاء الرماد، وأرّثوا عليه النار. ليس يمنعهم عن ذلك أن قد ارتضوا بعهد معهود، أو جمعهم معه عقد معقود، أو سار فيهم بحسنىً تعطف الجماد. ولعلّ أشدّ ما خشيت منهم فاطمة عليه التقاؤهم وأهل النفاق وأصحاب الأصنام في رباط، فذلك هو الإجماع العدواني الذي طمح إليه أعداء الله، وما زالوا يحيكون شركه حتّى نسجوه. * * * وقع ذلك في شوّال الخامس من الهجرة إلى المدينة. قبله بعامين، في شوّال الثالث، كانت «أُحد» المريرة، وكان وعيد أبي سفيان الذي توعّد به المسلمين، مُنْصَرَفة منها، أن يجتثّهم في بدر العام القابل، لكنّه إذ رأى النبي قد تأهّب له، وخرج للقائه ... ثم أحاق بقريش جدبٌ ابتلاهم به العزيز الجبّار، نكص الزعيم القرشي عن تنفيذ تهديده، وآثر القعود، ففي القعود السلامة. وإذا ضاقت عن انتقامه سنة تولِّي، فلن تضيق عنه سنة تجيء. وكما كفاه ذلك الجدب اللقاء في أوانه المضروب، فقد كفته «يهود» الإعداد للقاء الجديد، بله هم الذين كتّلوا المواجد، وحشّدوا الأحقاد، وجيّشوا الحشود، وجمعوا الطوائف الناقمة على أهل الجهاد، حزباً واحداً لمحاربة الله. ذهبت منهم جماعة على رأسها نفر من أكابر بني النضير، وبني قريظة، وغيرهم من حزمهم وشراذمهم، تحرّض قريشاً على «فرخها!» المهاجر، وتعدها أن تكون ومن حزّبت من القبائل عليه، حتّى تجتثّ باجتثاثه الإسلام من أُصوله. قال لهم حيّ بن أخطب النضري عن قومه اليهود: سنكون معكم عليه حتّى نستأصله.