هذه الغدرة الخبيثة من ذلك الرهط من «يهود» قد أثارت عليهم حفيظة كلّ مسلم، فضلاً عن سورة الغضب والإنكار التي لابدّ قد استشعرها أيّما امرئ في الناس يتمسّك ببعض القيم الخلقية، ويرى حقّاً عليه نحو نفسه أن يترفّع بها فوق أمثال هذه الخبائث والدنايا التي تنافي إنسانية الآدمي وتمرّغ كرامته في الرغام[1258] وكانت سورة فاطمة ـ بطبيعة الحال ـ تسبق كلّ السورات، على طريق غيظها، بفراسخ وأميال. لكنّ القلق كان أشدّ من الغضب، وأقوى شكيمة. فهي أعرف بطبيعة اليهود، أدرى بأنّهم يكنّون غير ما يُظهرون، أخشى لما تغلّقت عليه نواياهم منها لما تشرّعت أكفّهم به من سيوف. فأنت تواجه عدوّك في الحرب السافرة فلا تخافه، لأنّك عندئذ ستقارعه سلاحاً بسلاح، أمّا أن يفارقك بوجه ويقاتلك بآخر، أو يقدّم لك الزهرة وهو يخفي عنك الخنجر، أو تطالعك بالبسمة الحلوة شفتاه ومن ورائهما نابُ ثعبان ... أمّا أن يفعل هذا، فإنّه إذاً الخطر الذي قد لا يجول بالبال، فيخدع اليقظة، ويباغت الانتباه ولقد علمت الزهراء أنّ خبث اليهود أقرب إلى الرسول من حبل وتينه، وقد انتثرت جماعاتهم حوله بالمدينة، وعلى مشارفها، كما تنتشر الأفاعي في أرض معشبة ذات عوسج وأثل، من أمن شوكها الحادّ أن يثخنه جراحةً، فلن يأمن نهش الحيّات! وناهيك بيهود من أراقم وصلال! ناهيك بباعهم في التمويه والخداع! ناهيك باقتدارهم على نسج الأحابيل! ولئن فضحتهم «السماء» في بني النضير، ففاتتهم فرصة «الصخرة»، فلن تفوتهم من بعد فرصة جديدة، يصطنعونها اصطناعاً ويعدّون لها عدّتهم، ليأخذوا محمداً