ويهيج قلق الزهراء عليه أن قد شامت الفتنة أخذت تتمطّى وتنفض عن جفونها النعاس. فهي تدرك حقيقة طبيعة «يهود»، وهي تعلم أنّهم ـ أينما كانوا ـ كان الوسواس الخنّاس. وكان غدر يدبّ الخفاء، وكانت خيانة لا تأبه بعهود، ثم كانت كسف من المحن كقطع الليل في أُمسية عمياء. ذلك لأنّهم قوم لا يرعون إلاًّ ولا ذمّة، يؤمنون بالحنث والنكث، يكفرون بالوفاء. ولو أنّهم لزموا ما عاهدوا عليه رسول الله، لما اندلعت النار، لأمنوا وأمن الناس، لتجنّبوا الوبال، لكنّهم لا يستطيعون فكاكاً من أسار حقدهم الأسود، ولا تحرّراً من غيرتهم الحسود، ولا نزوحاً من كهف عنصريّتهم الحمقاء ... بل لا نكال، ولا تحرّر ولا خروج. وأنّى لهم وقد أغواهم الضلال ألاّ يغفروا قطّ لله! أو يتراجعوا قيد شعرة عن الثأر منه! تعالى علاه. ففي قراراتهم أنّه أغفلهم وهم الشعب المختار، وأرسل إلى البشرية رسولاً من «الأُميّين»، وليس من بني إسرائيل، ولا من بني هارون! أَفَهُمْ في مساق حقدهم هذا لا ينقمون؟ أفلا يبادرون عُمي القلوب إلى إفساد فعل ربّ العباد؟ خسئوا، وحاشاه! * * * ولقد بيّتوا أمرهم أن يقضوا على هذا النبي «الأُمي» العربي، الذي يرونه قد «ابتزّهم!» حقّهم في النبوّة، وحرّمهم استدامة استعلائهم على العالمين. وكيف لا ينشطون إلى قتله ولهم ولع بقتل الأنبياء معلوم؟ لينشطنّ جادّين، غير متردّدين، ولن يفوت غدرهم اقتناص فرصة، ولن يعيبهم