السلاح كان يصطفق أحياناً بالسلاح، ولا لأنّ ثمة، بين وقت ووقت، مناوشات وغارات، إنّما كان قلقها ينبعث من خوفها على الرسول أن يناله مكروه. فلقد أحسّته وإنّه الآن وحده، لَهُوَ هدف الأعداء، وهو المرمى الذي تسدّد نحوه، بكلّ الإحكام، نفثات الأقواس، وهو نقطة التقاء أسنّة الغدر المصوّبة من كلّ اتّجاه، وهو الرعب الضاري الذي يحاجز بينهم وبين الأمان. فلو اختفى عنه ظلّة فالعرب إذاً رجل واحد، رأيهم جميع، قلقهم إلى قرار، خوفهم إلى أمن، وفرقتهم إلى وحدة، وأصنامهم إلى عزّة لا يتطرّق إليها هوان. فإن يكن يومٌ هم أحرى فيه بأن يشنّوا على محمد، فإنّه هذا اليوم. وما تظنّهم فاطمة إلاَّ فاعلين الأفاعيل. فربّما هو الآن أيسر لهم منالاً منه بالأمس، بعد أن قارب حدّ الستّين، إذ ثقل منه الجسم، وأبطأت به الحركة، وغدا أقلّ قدرة على المناورة والمداورة عند اللقاء في ساعة قتال. وكلّما تطلّعت إليه، وشهدت آثار حلقتي المغفر[1252] اللتين انغرستا في وجنتيه، ورأت مكان رباعيّته[1253] وهو شاغر[1254]، ولمحت ندبة الشجّة في جبينه ... كلّما أخذت عينها مواضع جروحه هذه، استيقظت في دخيلتها ذكرياتها الأليمة، وسرح بها خيالها على أرض المعركة، فإذا هي تشهده وقد وقع في حفرة. ثم تراه يحاول القيام من سقطته تلك، فلا يسعفه ترهّله، ويخذله ثقله، وتضطرب بالمحاولة جوارحه بحركات أدنى إلى أن تكون عشوائية، حتّى يقبل عليه علي فيأخذ بيديه، ثم ينزل طلحة تحته فيرفعه ... وينجو وما كاد. * * *