وعلى غرار هذا السلوك النبوي المستبصر الرشيد ـ الذي يضرب للناس مثلاً يبيّن لهم كيف ينبغي ألاَّ يشقّوا على أنفسهم ولا على صغارهم وإن في أقدس قدسيات الدين ـ كان سلوك الرسول الأعظم في موقف مثيل: شوهد النبي مرّةً على منبر مسجده يخطب جمهور المسلمين في أُمور دينهم ودنياهم، ويعلّمهم ممّا علّمه ربّه، فإذا هو يلمح الحسن والحسين يقبلان عليه، يمشيان ويعثران ... وعلى الفور قطع الخطبة، غلبه حنانه، فلم يطق إلاَّ أن ينزل إليهما، ويرفعهما إليه. فلمّا صارا بين يديه على المنبر، وطابا نفساً بقربهما منه، وطاب نفساً بأمنهما بين جناحيه، قال للجموع: «صدق الله (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) نظرت إلى هذين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما»[1238]. ثم وصل ما انقطع من خطابه. * * * غير أنّ أبلغ الدروس التي شاء الرسول ـ امتثالاً لقول ربّه ـ أن يلقيه على الأسماع، ثم يثبته في الأرواع، فذلك الذي ظلّ طوال حياته، وإنّه له شعار مختار، لا يني يعيده ويكرّره على ملأ الناس، قبيل مشرق كلّ نهار، كأنّما كان يخشى عليه منهم غائلة النسيان، فراح يحصّنهم من هذه الغائلة بموالاة التكرار! فهل أفلحت الإعادة؟ وهل ثبت الادّكار؟ تذكر الأخبار[1239]: كان عليه الصلاة والسلام يأتي باب فاطمة وعلي وحسن وحسين كلّ يوم، عند صلاة الصبح، حتّى يأخذ بعُضادتي الباب، ويقول: «السلام عليكم، أهل البيت».