للصغير خطواته القصار إذا طال التجوال. فإذا بلغ المسجد وقام للصلاة، وضعه برفق إلى جواره. فربّما كان اصطحابه إيّاه هنا وهناك ليألف مخالطة الناس، وربّما لكي يعودّه الأُنس بفرائض الله. والسوق ـ كما هو معلوم ـ مكان عام، والمسجد أيضاً مكان عام، والحديث الجاهر في كليهما أحقّ بأن يتلبّس بصفات العموميات. قيل: وسجد النبي مرّةً فأطال حتّى شقّ على المصلّين، فلمّا فرغ وسلّم، قال له بعضهم وهم يعجبون: يا رسول الله، إنّك سجدت سجدةً أطلتها، حتّى ظنّنا أن قد حدث أمر، أوأنّه يوحى إليك! فأجاب: «كلّ ذلك لم يكن ... ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله»[1237]. كلام موجز قصير، واضح الدلالة، بليغ التعبير، يمثّل لفتةً أبويةً نبويةً لتكريم حفيد كريم. لا جدال! ومع ذلك فهو يجمع العمومية إلى الخصوصية، لأنّ مناط الحكمة فيه أحقّ بأن يتعلّق بالحشد القائمين حينذاك بالمسجد، ثم من وراءهم من جماعة المسلمين منه بأن يتعلّق فقط بغلام لم يجاوز من عمره عامين أو ثلاثة أعوام! إنّه لدرس في التيسير، حكيم من حكيم، لعلّه أن ينفع كلّ المتشدّدين والمتزّمتين من الذين يغضّون الفهم عن اللباب، ويتمسّكون بالقشور، ثم يذهبون إلى أبعد الأقاصي غلوّاً في الدين! * * *